تواجه مدينة الإسكندرية أزمة بيئية صعبة، لا يهددها موقعها الساحلي المنخفض فحسب، بل يهددها أيضًا تقدم البنية التحتية والشبكات الحيوية فيها.
ومع تزايد التحذيرات العلمية فيما يتعلق بمخاطر تغير المناخ والارتفاع السريع في مستوى سطح البحر، يتجه الاهتمام إلى السياسات والتقنيات التي تدير مياه الصرف الصحي ومياه العواصف باعتبارها خط الدفاع الأول للمدينة ضد الكوارث المحتملة.
ويتفاقم هذا الأمر بفِعل حقيقة مفادها أن عشرات الآلاف من المباني ــ بما في ذلك المباني ذات التراث المعماري الفريد ــ تقف دون حماية على طول الشريط الساحلي.
تظهر الدراسات تصاعدًا كبيرًا في حالات الفشل الهيكلي: فقد ارتفع معدل الانهيار السنوي من حادث واحد تقريبًا في مطلع الألفية إلى ما يقرب من 40 انهيارًا سنويًا.
وأدت هذه الأزمة إلى تدمير مئات المباني وتهديد آلاف المباني الأخرى التي ترتكز أساساتها على طبقات التربة المشبعة بالمياه المالحة بشكل متزايد. يؤدي تصاعد تسرب مياه البحر إلى باطن الأرض إلى إضعاف الأساسات بشدة وتسريع تآكل الخرسانة والمعادن.
تعمل هذه العملية على تسريع التشققات الهيكلية وانهيار المباني، خاصة في المناطق التاريخية المنخفضة.
وتتفاقم هذه المخاطر الجيوتقنية بسبب تزايد شدة هطول الأمطار الغزيرة. وقد طغت هذه الظواهر الجوية القاسية مؤخرًا على أنظمة تصريف مياه الأمطار، مما تسبب في فيضانات الأحياء الكبرى ووقف حركة المرور لساعات، وأحيانًا حتى لأيام.
وبالاقتران مع الارتفاع المتوقع في مستوى سطح البحر (المتوقع أن يصل إلى 1.9 متر بحلول نهاية القرن)، من المتوقع أن تدفع هذه الظاهرة ساحل الإسكندرية إلى الداخل أكثر، مما يؤدي إلى دمار واسع النطاق للبنية التحتية والمباني والاقتصاد المحلي.
ولذلك فمن الضروري وضع استراتيجية متكاملة تجمع بين الوقاية من الفيضانات وتعزيز القدرة الهيكلية على الصمود وتعزيز البنية التحتية.
إن تحقيق الأمن البيئي للمدينة يتطلب إرادة سياسية حازمة، واستثمارات استراتيجية، وسرعة اتخاذ القرار. ويجب أن يقترن ذلك بتوسيع الشراكات الدولية، والتعاون مع المؤسسات والخبرات العالمية، ودمج نتائج الدراسات الأكاديمية والميدانية الحديثة للحفاظ على قلب البحر الأبيض المتوسط وتراثه المعماري للأجيال القادمة، خاصة في هذا العصر الذي يشهد تغيرات مناخية حادة.
تثبت الأدلة التكنولوجية والميدانية أن تقنيات الصرف اليابانية أثبتت فعاليتها في معالجة كوارث الفيضانات وهبوط الأراضي.
ومع ذلك، فإن نقلهم إلى الإسكندرية يتطلب التكيف والمواءمة المحلية.
هذه التقنيات اليابانية لا تنطبق فقط على الإسكندرية؛ فهي ضرورية لمواجهة التحدي المزدوج المتمثل في الفيضانات وانهيار المباني. ومن خلال الجمع بين الابتكار التقني والتخطيط الاستراتيجي، يمكن تحويل الإسكندرية إلى مدينة مرنة قادرة على تحمل الكوارث الطبيعية.
الحماية من الكوارث ليست ترفاً؛ إنه استثمار في المستقبل.
تقدم التجربة اليابانية تقنيات فصل أساسية للشبكات الحيوية: فصل أنظمة الصرف الصحي (مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية) عن شبكات تصريف مياه الأمطار المخصصة.
ويستخدم الأخير أنفاقًا عميقة تحت الأرض للتجميع، مما يعمل على حماية جودة المياه الجوفية، ومنع تآكل التربة، ودعم نمو النباتات الحضرية وأغطية الأشجار – مما يعزز في النهاية قدرة المدينة على الصمود في مواجهة الكوارث.
ويعمل هذا النموذج على تطوير تكنولوجيا مبتكرة، وتوظيف المعالجة المتقدمة، والهضم البيولوجي، والبنية التحتية الخضراء كبدائل عملية علميا يمكن أن تساهم في إنقاذ الإسكندرية من مخاطر الفيضانات والانهيار الهيكلي.
وينبع نجاح اليابان في التكيف مع التقلبات المناخية من اعتمادها لأنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأجهزة استشعار ذكية واسعة النطاق للتنبؤ بالفيضانات داخل شبكة الصرف الصحي.
وترتبط هذه المستشعرات بمنصات المراقبة والتحكم في الوقت الفعلي التي تعمل بتناغم مع نماذج وتنبؤات الطقس الرقمية.
فهم ينبهون السلطات إلى أي تغييرات خطيرة ويقومون تلقائيًا بتنشيط المضخات والصمامات لإعادة توجيه المياه أو تخزينها في خزانات ضخمة مؤقتة تحت الأرض، كما يتضح من نظامي طوكيو وكاسوكابي.
علاوة على ذلك، تتضمن الممارسات اليابانية إدخال روبوتات التفتيش داخل أنابيب الصرف الصحي لمراقبة الأضرار والتآكل.
ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات التاريخية والتنبؤ بالمناطق الأكثر عرضة للانهيار أو الانسداد قبل تفاقم المشكلات، مما يضمن الصرف الآمن أثناء حالات الطوارئ وإطالة العمر الافتراضي للشبكة.
تمثل محطات المعالجة المركزية واللامركزية في اليابان حجر الزاوية في الهندسة البيئية.
أنها تستخدم مزيجًا من المعالجة الأولية والبيولوجية (الهوائية واللاهوائية)، والثالثية، وتقنيات الأغشية الحديثة. تركز العمليات على إزالة المواد العضوية والمعادن الثقيلة والمواد المغذية (النيتروجين والفوسفور).
بل إن بعض العمليات تشمل مراحل متقدمة مثل الأوزون والكربون المنشط والتناضح العكسي لتحقيق مؤشرات جودة بيولوجية مرنة.
يعد نظام جوهكاسو في اليابان سمة مميزة لإدارة الصرف الصحي اللامركزية. فهو يجمع بين سهولة النقل والتركيب والكفاءة العالية في إزالة المواد العضوية والمغذيات من مياه الصرف الصحي المنزلية للمباني غير المتصلة بالشبكات العامة.
يمكن تخصيص النظام بناءً على عدد السكان وحجم المبنى، باستخدام العمليات البيولوجية، ومعالجة الأغشية، والتخثير الكهربائي لإزالة النيتروجين والفوسفور بكفاءة عالية. يتم بعد ذلك استخدام المياه المعالجة في الزراعة أو التنظيف أو التنظيف، بينما يتم تحويل الحمأة المجمعة إلى سماد أو وقود.
وبالتالي فإن نظام جوهكاسو يشتمل على إطار حوكمة متكامل للمراقبة والصيانة والتفتيش، وهو نهج يرفع الكفاءة التشغيلية ويمنع الأعطال المفاجئة التي قد تهدد سلامة المبنى أو البيئة.
ويستخدم الهضم اللاهوائي، حيث يتم تحويل الحمأة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي إلى غاز الميثان.
ويتم بعد ذلك تسخير هذا الغاز لتوليد الكهرباء أو الحرارة لمحطات المعالجة نفسها وللاستهلاك المحلي، مما يساعد على خفض حجم النفايات إلى النصف وتوفير مصدر طاقة نظيف ومتجدد.
علاوة على ذلك، فهو يقدم حلاً نوعيًا لإنتاج أسمدة عضوية عالية الجودة وخالية من الشوائب الخطرة.
وهناك أمثلة قائمة للتعاون المصري الياباني في مجال الصرف الصحي والمشروعات المستقبلية. شهد قطاع المياه والصرف الصحي في مصر سلسلة من الشراكات مع اليابان، امتدت من الدعم التكنولوجي والفني إلى التعليم والتدريب ونقل المعرفة.
وفي 18 سبتمبر، تم التوقيع على مذكرة تعاون بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي في مصر وشركة يابانية لتطوير محطات توليد المياه الجوية.
ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز مرونة المياه في المناطق المهددة بالجفاف، وخاصة المدن الساحلية مثل الإسكندرية، وتعزيز التكامل بين الاحتياجات المائية وإدارة الكوارث المناخية – وهو نموذج يجب توسيعه.
سيرة المؤلف
عبير بسيوني رضوان أكاديمية ودبلوماسية مصرية.
ركزت فترة عملها الدبلوماسية بشكل كبير على التنمية والتعاون الإنساني في أفريقيا.
أكاديمياً، حاصلة على درجة الدكتوراه. حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة، وتخصص في موضوعات تتعلق بمنظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ماستريخت.
ويظل رضوان منخرطًا بنشاط في الخطاب العام باعتباره كاتب رأي بارزًا في كبريات المطبوعات المصرية، بما في ذلك صحيفة الأهرام ديلي والمصري اليوم.
