وقد قدم البيان الأخير، الذي أقره ثمانية وزراء خارجية، أوضح رسالة ممكنة: مصر ليست وحدها في رفضها الكامل للإعلان الإسرائيلي.
وكانت الحكومة في تل أبيب قد أعلنت أنها ستفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة، موضحة أن ذلك سيكون مخصصا لخروج الفلسطينيين من غزة إلى مصر حصرا، وأن خطوة فتح المعبر تم بالتنسيق مع الحكومة المصرية.
ونفت مصر بسرعة وبشكل كامل مزاعم إسرائيل بالتعاون.
إن أهم ما يكشفه التلاعب الإسرائيلي هو أن التهجير يسيطر بشكل هاجس على الحكومة الإسرائيلية، وهو أمر أقرب إلى المرض منه إلى أي شيء آخر.
ولا يتوقفون عن الحديث عنه أبدًا، إلا للبحث عن حيلة تسمح لهم بالعودة إلى الموضوع مرة أخرى.
لقد أثير موضوع التهجير مراراً وتكراراً، وفي كل مرة كان يواجه رفضاً مطلقاً من الفلسطينيين أنفسهم، حتى قبل أن يواجه رفضاً مماثلاً في المنطقة والعالم.
وفي كل مرة حاولت إسرائيل نقل التهجير من المجال النظري إلى الواقع العملي، باءت محاولتها بالفشل.
ورغم ذلك فإن الأمر يتمسك بالإسرائيليين وكأنه شيطان.
والدول الثماني التي وقع وزراء خارجيتها على البيان هي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر وتركيا وإندونيسيا وباكستان.
وهذا يعني أن الرفض ليس مصرياً فقط، ولا عربياً فقط؛ بل هو رفض مصري وعربي وإسلامي مشترك.
وليس هذا هو المعنى الوحيد الذي يحمله البيان.
ومن سطورها، سيتبين أن خطة ترامب لوقف الحرب في غزة تنص على فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد فقط كما ترغب الحكومة الإسرائيلية.
إذا كان الأمر كذلك فإن العالم الذي يراقب حماقة إسرائيل، عليه أن ينتظر بياناً آخر من واشنطن لوضع قضية المعبر في مكانها الصحيح في خطة الرئيس الأميركي لوقف الحرب.
وينتظر العالم مثل هذا البيان إلى جانب بيان الوزراء الثمانية، على أمل أن تدرك إسرائيل أن التهجير الذي فشل خلال عامين من الحرب، لن ينجح الآن بعد أن توقفت الحرب.
ومع ذلك، لا بد من تقديم تحذير حاسم: الحرب لم تنته حقا. ولا تزال الدماء الفلسطينية تسفك بغزارة رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 13 تشرين الأول/أكتوبر.
إسرائيل لا تريد أن تفهم أن رفض التهجير في مصر لا يقتصر على الرفض الحكومي الرسمي، بل يمتد إلى الرفض الشعبي الكامل، بكل ما تعنيه كلمة «شعبي».
سيرة المؤلف
يعد سليمان جودة شخصية بارزة في الصحافة المصرية، معروف بأدواره القيادية وتعليقاته الثاقبة.
شغل سابقًا منصب رئيس تحرير جريدة الوفد، ويكتب حاليًا أعمدة بجريدة المصري اليوم.
إلى جانب إنتاجه الصحفي، يحظى جودة بتقدير كبير في المجتمع المهني، ويتجلى ذلك من خلال دوره كعضو في لجنة التحكيم لجائزة البحرين للصحافة. كاتب معروف، ألف سبعة كتب وحصل على خمس جوائز صحفية، بما في ذلك جائزة أحمد أمين.
