تخبرنا أسطورة يونانية قديمة أنه عندما فتحت باندورا الصندوق، تم إطلاق العنان لكل شرور العالم كعقاب من زيوس على البشرية. حتى الأمل الذي بقي في الداخل كان ينظر إليه من قبل البعض على أنه خدعة قاسية – وهم يمكن للبشرية أن تتشبث به، ولا يقدم أي دفاع حقيقي ضد حقائق الحياة القاسية.
في ضوء ذلك، يبدو الاقتراح الذي قدمه وزير الدولة للإعلام في عام 2025 وكأنه شيء انبثق من نفس الصندوق – استدعاء ساذج من الماضي لظروف أصبح من المستحيل الآن إعادتها.
ويكشف هذا الاقتراح عن جهل بالمشهد الإعلامي الحالي، وهو بمثابة غوص عميق في أمل خادع ــ هروب من الواقع الذي يحتاج إلى الإصلاح بشكل عاجل.
وبدلاً من ذلك، يعد هذا الاقتراح بمثابة تخلي كامل، يعتمد على قراءة سطحية تحاول إحياء ظروف لا علاقة لها على الإطلاق بالبيئة الإعلامية الحالية، ولاعبيها، ومستقبلها.
بعض الأفكار التي تركز على الماضي تشبه تلك الشرور التي تم إطلاقها من صندوق باندورا، لأنها غير قادرة على فهم الوضع الحالي للأشياء.
وسوف يطرحون حتماً سيناريو المحصلة الصفرية، والذي يخطئ البعض في اعتباره حلاً قائماً على المركزية. هذه العقلية المركزية تصر على التركيز والسيطرة في كل جانب، حتى لو تجاوزها الزمن طويلا، ولم تعد تلك الأفكار القديمة تصلح لإدارة البيئة الحالية أو تنظيم شؤونها.
فكيف يمكن تقديم وزير للإعلام في ظل حاضر معقد تهيمن عليه ثلاث هيئات ومجموعة إعلامية ضخمة تسيطر على حصة الأسد من السوق؟
ماذا سيكون دور هذا الوزير؟ هل يكون ناطقا باسم الدولة أم مرشدا لسوق الإعلام؟
هذه أفكار لا تؤدي إلا إلى زيادة تعقيد المشهد وإعادة تأسيس ماضٍ مضى ولا يمكن بعثه من القبر أو إعادة شحنه من العالم السفلي.
ونحن نعلم أن الهيئات الثلاث القائمة لا تستطيع تنفيذ جميع الأدوار التي حددها لها الدستور بشكل كامل بسبب السياقات السياسية غير المواتية، والضغوط الاقتصادية، وأنماط الملكية.
وزير الإعلام لن يحل هذا الأمر.
ويكمن الحل في تطبيق الدستور وتحرير هذه الهيئات من القيود التي تقيد قدرتها على أداء واجباتها وتفعيل مهامها، والاتجاه نحو إدارة الحلول، بدلاً من الاكتفاء بإدارة «الفقر الإعلامي».
عودة وزير الإعلام تعني «إطالة أمد المعاناة الإعلامية».
ولا يمكن التغلب على هذه الآلام إلا بمد مظلة الحرية على البيئة الإعلامية، وإرساء المنافسة الحقيقية الخالية من الاحتكار أو الهيمنة، واحتضان التكنولوجيا في ظل ظروف صحفية احترافية، وتنقية الحرفة من شوائب الزمن ومصائب تأخير الإصلاح الإعلامي.
الجواب هو الحرية والتحرر، وليس الوقوف أمام المرآة وتلاوة التعاويذ لاستحضار مثل صفوت الشريف مرة أخرى.
إن احترام الدستور هو علامة الإصلاحيين الحقيقيين؛ وأولئك الذين يتجاهلونها هم هواة يبحثون عن الحل السهل ــ محاولة العودة إلى الطريقة القديمة التي تجاوزها العالم منذ ذلك الحين.
إننا نعيش في عصر حيث لم يعد الإعلام، على الرغم من مركزيته، يشكل الرأي العام وحده؛ وهناك روايات أخرى متداولة على منصات التواصل الاجتماعي.
لم تعد المؤسسات الإعلامية تحتكر الرواية العامة؛ ويشارك آخرون الآن بجانبهم.
فهل ينبغي لنا أن نتراجع ببساطة لأن هناك تفكيراً تقليدياً يتجاهل الصيغ الحديثة، وتطور الصناعة، والتغير التكنولوجي؟
إن هذا الاقتراح لمنصب وزير دولة أشبه بإنشاء “دليل إعلامي” جديد بلا هدف أو منطق.
يعتقدون أنه سيكون قائد كاسحة ألغام، بينما في الواقع سيكون رسولًا مرسلاً من موقف توك توك في إحدى الضواحي القديمة.
السيرة الذاتية للمؤلف:
يشغل علاء الغدريفي منصب رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم منذ أكتوبر 2023، ورئيس التحرير التنفيذي لمجموعة أونا الإعلامية منذ عام 2016.
وهو أيضًا كاتب رأي بجريدة الوطن وموقع مصراوي، ومستشار بمنتدى إعلام مصر.
ويعمل أيضًا محاضرًا في الصحافة التليفزيونية والصحافة المتعمقة للدراسات العليا بكلية الإعلام بجامعة القاهرة.
عمل رئيساً لتحرير قناة سي بي سي إكسترا التي أسسها، ومدير تحرير سابق لصحيفة الوطن، ورئيس تحرير تنفيذي سابق لموقعها الإلكتروني.
كما شارك في تأسيس صحيفة المصري اليوم، وجريدة الوطن، وبرنامج العاشرة مساء على قناة دريم، وكان رئيس تحرير البرامج في قناة الحرة.
